رمضان والنصر: ملحمة الكرامة في حرب أكتوبر 1973
كتب .يوسف أبو النجا
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تتجدد في الأذهان صور الصبر والانتصار، و تتوهج ذاكرة الأمة بملاحم العزة والكرامة، وعلى رأسها نصر أكتوبر المجيد عام 1973، الذي جسّد أعظم صور التضحية والإيمان بقضية الوطن. ففي يوم العاشر من رمضان الموافق 6 أكتوبر، سطّر المصريون واحدة من أروع ملاحم التاريخ، حين تحطّمت أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”، و انتفضت الإرادة العربية لتعيد للأمة مجدها المسلوب.
رمضان والتخطيط للإنتصار
لم يكن اختيار يوم العاشر من رمضان لبدء المعركة مجرد مصادفة، بل كان عنصرًا نفسيًا و معنويًا يعكس روح التضحية والعزيمة لدى الجنود المصريين. فالجيش المصري دخل المعركة وروح الصيام في قلوب أبطاله، مستلهمين من الشهر الكريم معاني الصبر والإيمان بالنصر. كان لهذا التوقيت أثره العميق على استراتيجيات الحرب، إذ ظن العدو أن المسلمين سيكونون في حالة ضعف بسبب الصيام، لكن المفاجأة كانت في أن رمضان كان مصدر قوة وإلهام للمقاتلين.
ملحمة العبور وتحطيم خط بارليف
مع دقات الساعة الثانية ظهرًا، وفي لحظة تاريخية خالدة، انطلقت قواتنا المسلحة في هجوم كاسح، فاق التوقعات، وأبهر العالم بأسره. بدأ القتال بقوة نيران غير مسبوقة، حيث أطلق أكثر من 220 طائرة مقاتلة ضرباتها على مواقع العدو في سيناء، تزامنًا مع تمهيد مدفعي كثيف استمر ست دقائق كاملة، ليكون أعنف تمهيد نيراني في تاريخ الحروب الحديثة.
لم يمضِ وقت طويل حتى انطلق أبطال سلاح المهندسين المصريين ليواجهوا التحدي الأكبر: تحطيم “خط بارليف”، الذي اعتبرته إسرائيل أقوى خط دفاعي في العالم. لكن إرادة المصريين كانت أقوى، حيث تم استخدام مضخات المياه لفتح ثغرات في الساتر الترابي، في عملية عبقرية استغرقت ساعات قليلة فقط، بدلًا من المدة التي قدّرها الخبراء العسكريون الإسرائيليون بالأسابيع!
اللحظة الحاسمة ورفع العلم المصري
بعد عبور قناة السويس، اندفع المقاتلون المصريون كالأسود، وواجهوا العدو بكل شجاعة وإصرار، واستطاعوا تحرير الشاطئ الشرقي ورفع العلم المصري عاليًا على أرض سيناء، إيذانًا ببداية عصر جديد من النصر واستعادة الكرامة الوطنية.
دروس وعبر من نصر أكتوبر
الإيمان والعقيدة الصلبة: كان اليقين بالنصر سلاحًا لا يقل أهمية عن المدافع والطائرات.
التخطيط والإعداد الدقيق: أثبتت حرب أكتوبر أن التخطيط الجيد و المباغتة عنصران حاسمان في تحقيق النصر.
الوحدة الوطنية والعربية: جسّد هذا الانتصار قوة التضامن العربي، حيث دعمت الدول العربية مصر وسوريا اقتصاديًا و عسكريًا.
رمضان.. شهر الإنتصارات والعزة
لم يكن نصر أكتوبر الأول من نوعه في شهر رمضان، فقد شهد التاريخ الإسلامي انتصارات عظيمة في هذا الشهر، مثل غزوة بدر وفتح مكة. فكما كان رمضان شهر الإنتصارات في الماضي، ظل شاهدًا على أعظم انتصارات العصر الحديث، يوم أن أعاد المصريون للأمة العربية هيبتها وأثبتوا أن الإرادة الحرة تصنع المعجزات.
وفي هذا الشهر الكريم، نستحضر روح أكتوبر من جديد، لنجدد العهد مع النصر، و نستلهم من أبطالنا الصبر والعزيمة لمواجهة التحديات، فكما انتصرنا بالأمس، يمكننا أن نصنع غدًا أكثر إشراقًا بعزيمة لا تلين.